الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا طَافَ الرَّجُلُ بِالصَّبِيِّ أَحْبَبْتُ أَنْ يَرْمُلَ بِهِ، وَإِنْ طَافَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ أَحْبَبْت إنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَرْمُلَ بِهِ أَنْ يَرْمُلَ بِهِ وَإِذَا طَافَ النَّفَرُ بِالرَّجُلِ فِي مِحَفَّةٍ أَحْبَبْت إنْ قَدَرُوا عَلَى الرَّمَلِ أَنْ يَرْمُلُوا، وَإِذَا طَافَ الرَّجُلُ رَاكِبًا فَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا أَحْبَبْت أَنْ يَحُثَّ دَابَّتَهُ فِي مَوْضِعِ الرَّمَلِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الرِّجَالِ.
أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ سَعْيٌ بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً: أَتَسْعَى النِّسَاءُ؟ فَأَنْكَرَهُ نُكْرَةً شَدِيدَةً أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها النِّسَاءَ يَسْعَيْنَ بِالْبَيْتِ فَقَالَتْ أَمَا لَكُنَّ فِينَا أُسْوَةٌ؟ لَيْسَ عَلَيْكُنَّ سَعْيٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ رَمَلَ عَلَى النِّسَاءِ، وَلاَ سَعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلاَ اضْطِبَاعَ وَإِنْ حُمِلْنَ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ حَمَلَهُنَّ رَمَلٌ بِهِنَّ وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ مِنْهُنَّ تَحْمِلُهَا الْوَاحِدَةُ، وَالْكَبِيرَةُ تُحْمَلُ فِي مِحَفَّةٍ، أَوْ تَرْكَبُ دَابَّةً، وَذَلِكَ أَنَّهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِالِاسْتِتَارِ، وَالِاضْطِبَاعُ وَالرَّمَلُ مُفَارِقَانِ لِلِاسْتِتَارِ.
أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ شَوْطٌ دَوْرٌ لِلطَّوَافِ وَلَكِنْ يَقُولُ طَوَافٌ طَوَافَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَأَكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَرِهَ مُجَاهِدٌ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} فَسُمِّيَ طَوَافًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى جَمَاعَةً طَوَافًا.
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَمْ تَرَيْ إلَى قَوْمِكَ حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ؟» فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: «لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِك بِالْكُفْرِ لَرَدَدْتُهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ». فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ إلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حُجَيْرٍ عَنْ طَاوُسٍ فِيمَا أَحْسَبُ أَنَّهُ قَالَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَقَدْ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَرْسَلَ عُمَرُ إلَى شَيْخٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ فَجِئْتُ مَعَهُ إلَى عُمَرَ وَهُوَ فِي الْحِجْرِ فَسَأَلَهُ عَنْ وِلاَدٍ مِنْ وِلاَدِ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ الشَّيْخُ: أَمَّا النُّطْفَةُ فَمِنْ فُلاَنٍ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَعَلَى فِرَاشِ فُلاَنٍ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ. فَلَمَّا وَلَّى الشَّيْخُ دَعَاهُ عُمَرُ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ فَقَالَ: إنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَقَوَّتْ لِبِنَاءِ الْبَيْتِ فَعَجَزُوا فَتَرَكُوا بَعْضَهَا فِي الْحِجْرِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَدَقْتَ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ مَا حُجِرَ الْحِجْرُ فَطَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهِ إلَّا إرَادَةَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّاسُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَسَمِعْت عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ تُرِكَ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الْحِجْرِ نَحْوًا مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَمَالُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ أَنْ يَطُوفَ الرَّجُلُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ فَإِنْ طَافَ فَسَلَكَ الْحِجْرَ لَمْ يُعْتَدَّ بِطَوَافِهِ الَّذِي سَلَكَ فِيهِ الْحِجْرَ وَإِنْ طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَكَانَ كُلُّ طَوَافٍ طَافَهُ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي الْحِجْرِ أَوْ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ كَمَا لَمْ يَطُفْ، وَإِذَا ابْتَدَأَ الطَّائِفُ الطَّوَافَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ يَدَعُهُ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَطُوفُ فَإِنْ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ وَتَرَكَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَطَافَ فَقَدْ نَكَّسَ الطَّوَافَ وَلاَ يُعْتَدُّ بِمَا طَافَ بِالْبَيْتِ مَنْكُوسًا، وَمَنْ طَافَ سَعَا عَلَى مَا نَهَيْتُ عَنْهُ مِنْ نَكْسِ الطَّوَافِ أَوْ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي الْحِجْرِ أَوْ عَلَى جِدَارِهِ كَانَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَطُفْ وَلاَ يَخْتَلِفَانِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِكْمَالُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ وَوَرَاءِ شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ فَإِنْ طَافَ طَائِفٌ بِالْبَيْتِ وَجَعَلَ طَرِيقَهُ مِنْ بَطْنِ الْحِجْرِ أَعَادَ الطَّوَافَ وَكَذَلِكَ لَوْ طَافَ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أَعَادَ الطَّوَافَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَكَيْفَ زَعَمْتَ أَنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَغَيْرِهِ؟ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ- تَعَالَى، أَمَّا الشَّاذَرْوَانُ فَأَحْسَبُهُ مُنْشَأً عَلَى أَسَاسِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ مُقْتَصِرًا بِالْبُنْيَانِ عَنْ استيظافه فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا كَانَ الطَّائِفُ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَكْمِلْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ إنَّمَا طَافَ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَأَمَّا الْحِجْرُ فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتْ الْكَعْبَةَ اسْتَقْصَرَتْ مِنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فَتُرِكَ فِي الْحِجْرِ أَذْرُعٌ مِنْ الْبَيْتِ، فَهَدَمَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْتَنَاهُ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَهَدَمَ الْحَجَّاجُ زِيَادَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ الَّتِي اسْتَوْظَفَ بِهَا الْقَوَاعِدَ، وَهَمَّ بَعْضُ الْوُلاَةِ بِإِعَادَتِهِ عَلَى الْقَوَاعِدِ، فَكَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ لاَ يَأْتِيَ وَالٍ إلَّا أَحَبَّ أَنْ يُرَى لَهُ فِي الْبَيْتِ أَثَرٌ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَالْبَيْتُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُطْمَعَ فِيهِ، وَقَدْ أَقَرَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ خُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمَسْجِدُ كُلُّهُ مَوْضِعٌ لِلطَّوَافِ.
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ فِي مِحَفَّتِهَا فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ كَانَ مَعَهَا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ». أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيُّهَا النَّاسُ أَسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ وَافْهَمُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ أَيُّمَا مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ فَقَدْ قَضَى حَجَّهُ وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَلْيَحْجُجْ، وَأَيُّمَا غُلاَمٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّهُ وَإِنْ بَلَغَ فَلْيَحْجُجْ. أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ وَتُقْضَى حَجَّةُ الْعَبْدِ عَنْهُ حَتَّى يُعْتَقَ فَإِذَا عَتَقَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا كَمَا قَالَ عَطَاءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْعَبْدِ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَقَدْ بُيِّنَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَنَا هَكَذَا وَقَوْلُهُ فَإِذَا عَتَقَ فَلْيَحْجُجْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَحُجَّ إذَا عَتَقَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَرَاهَا وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي عُبُودِيَّتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَغَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ لاَ يَرَوْنَ فَرْضَ الْحَجِّ عَلَى أَحَدٍ إلَّا مَرَّةً لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَالْمَسْجِدُ كُلُّهُ مَوْضِعٌ لِلطَّوَافِ فَمَنْ طَافَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ دُونِ السِّقَايَةِ وَزَمْزَمَ أَوْ مِنْ وَرَائِهِمَا أَوْ وَرَاءِ سِقَايَاتِ الْمَسْجِدِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فَحُفَّ بِهَا الْمَسْجِدُ حَتَّى يَكُونَ الطَّائِفُ مِنْ وَرَائِهَا كُلِّهَا فَطَوَافُهُ مُجْزِئٌ عَنْهُ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الطَّوَافِ، وَأَكْثَرُ الطَّائِفِينَ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ بِالنَّاسِ الطَّائِفِينَ وَالْمُصَلِّينَ. وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَطَافَ مِنْ وَرَائِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِشَيْءٍ مِنْ طَوَافِهِ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الطَّوَافِ وَلَوْ أَجَزْت هَذَا لَهُ أَجَزْت لَهُ الطَّوَافَ لَوْ طَافَهُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ فِي الْحَرَمِ، وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مَنْكُوسًا لَمْ يُعْتَدَّ بِطَوَافِهِ أَوْ لاَ أَحْسَبُ أَحَدًا يَطُوفُ بِهِ مَنْكُوسًا لِأَنَّ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يُعَلِّمُهُ لَوْ جَهِلَ، وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مُحْرِمًا وَعَلَيْهِ طَوَافٌ وَاجِبٌ وَلاَ يَنْوِي ذَلِكَ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ وَلاَ يَنْوِي بِهِ نَافِلَةً أَوْ نَذْرًا عَلَيْهِ مِنْ طَوَافِهِ كَانَ طَوَافُهُ هَذَا طَوَافَهُ الْوَاجِبَ وَهَكَذَا مَا عَمِلَ مِنْ عَمَلِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِأَنَّهُ إذَا أَجْزَأَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ يَبْتَدِئَهُ يُرِيدُ بِهِ نَافِلَةً فَيَكُونُ فَرْضًا كَانَ فِي بَعْضِ عَمَلِهِ أَوْلَى أَنْ يَجْزِيَهُ وَلَوْ طَافَ بَعْضَ طَوَافِهِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ إكْمَالِهِ فَطِيفَ بِهِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّوَافِ لاَ يَعْقِلُهُ مِنْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ عَارِضٍ مَا كَانَ أَوْ اُبْتُدِئَ بِهِ فِي الطَّوَافِ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَجْزِهِ حَتَّى يَكُونَ يَعْقِلُ فِي السَّبْعِ كُلِّهِ كَمَا لاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ حَتَّى يَعْقِلَ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا. وَلَوْ طَافَ وَهُوَ يَعْقِلُ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ كَمَالِ الطَّوَافِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ وَالطَّوَافَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا وَلَوْ طَافَ عَلَى بَعِيرٍ أَوْ فَرَسٍ أَجْزَأَهُ، وَقَدْ كَثُرَ النَّاسُ وَاِتَّخَذُوا مَنْ يَحْمِلُهُمْ فَيَكُونُ أَخَفَّ عَلَى مَنْ مَعَهُ فِي الطَّوَافِ مِنْ أَنْ يَرْكَبَ بَعِيرًا أَوْ فَرَسًا وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ فِيمَا لاَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهُ مِنْ الثِّيَابِ كَانَ طَوَافُهُ مُجْزِئًا عَنْهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِيمَا لَبِسَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ لُبْسُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَهَكَذَا الطَّوَافُ مُنْتَقِبًا أَوْ مُتَبَرْقِعًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الطَّوَافَ لاَ يَجْزِي إلَّا طَاهِرًا وَأَنَّ الْمُعْتَمِرَ وَالْحَاجَّ إنْ طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ فَإِنْ بَلَغَ بَلَدَهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ طَافَ جُنُبًا أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ مِنْ بَلَدِهِ حَيْثُ كَانَ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ قَوْلَهُ: أَيَعْدُو الطَّوَافَ قَبْلَ الطَّهَارَةِ أَنْ يَكُونَ كَمَا قُلْنَا لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إلَّا مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّلاَةُ أَوْ يَكُونَ كَذِكْرِ اللَّهِ وَعَمَلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ غَيْرَ الطَّوَافِ؟ قَالَ: إنْ قُلْت هُوَ كَالصَّلاَةِ وَأَنَّهُ لاَ يَجْزِي إلَّا بِوُضُوءٍ قُلْت فَالْجُنُبُ وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ سَوَاءٌ لِأَنَّ كُلًّا غَيْرُ طَاهِرٍ وَكُلًّا غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ الصَّلاَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْت أَجَلْ قَالَ فَلاَ أَقُولُهُ وَأَقُولُ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ قُلْت: فَلِمَ أَمَرْتَ مَنْ طَافَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ، وَأَنْتَ تَأْمُرُهُ أَنْ يَبْتَدِئَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْت لاَ يُعِيدُ قُلْت إذًا تُخَالِفُ السُّنَّةَ قَالَ فَإِنْ قُلْت: إنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ أَنْ لاَ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ لِئَلَّا يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ حَائِضٌ. قُلْت: فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْمُشْرِكَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَالْجُنُبَ، قَالَ: فَلاَ أَقُولُ هَذَا وَلَكِنِّي أَقُولُ إنَّهُ كَالصَّلاَةِ وَلاَ تَجُوزُ إلَّا بِطَهَارَةٍ وَلَكِنَّ الْجُنُبَ أَشَدُّ حَالاً مِنْ غَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ قُلْت أَوْ تَجِدُ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: لاَ، قُلْت فَأَيُّ شَيْءٍ شِئْت فَقُلْ وَلاَ تَعْدُو أَنْ تُخَالِفَ السُّنَّةَ وَقَوْلَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ لِغَيْرِ الطَّاهِرِ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، أَوْ تَقُولُ لاَ يَطُوفُ بِهِ إلَّا طَاهِرٌ فَيَكُونُ تَرْكُك أَنْ تَأْمُرَهُ أَنْ يَرْجِعَ حَيْثُ كَانَ وَيَكُونُ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ تَرْكًا لِأَصْلِ قَوْلِك.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا طَافَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ بِالْبَيْتِ وَمَشَى أَرْبَعَةً ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةِ أَطْوَافٍ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَمْ يُكْمِلْ الطَّوَافَ، وَإِنْ طَافَ بَعْدَهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلاَ يَجْزِيهِ أَنْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ سَبْعٍ تَامٍّ بِالْبَيْتِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَصَدَرَ إلَى أَهْلِهِ فَهُوَ مُحْرِمٌ كَمَا كَانَ يَرْجِعُ فَيَبْتَدِئُ أَنْ يَطُوفَ سَبْعًا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَإِنْ كَانَ حَلَقَ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْحِلاَقِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ وَلاَ أُرَخِّصُ لَهُ فِي قَطْعِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَذَلِكَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاَةُ فَيُصَلِّيَهَا ثُمَّ يَعُودَ فَيَبْنِيَ عَلَى طَوَافِهِ مِنْ حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَنَى مِنْ مَوْضِعٍ لَمْ يَعُدْ فِيهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قُطِعَ عَلَيْهِ مِنْهُ أُلْغِيَ ذَلِكَ الطَّوَافُ وَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَوْ يُصِيبُهُ زِحَامٌ فَيَقِفُ لاَ يَكُونُ ذَلِكَ قَطْعًا أَوْ يَعْيَا فَيَسْتَرِيحُ قَاعِدًا فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ قَطْعًا أَوْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ فَيَخْرُجُ فَيَتَوَضَّأُ وَأَحَبُّ إلَيَّ إذَا فَعَلَ أَنْ يَبْتَدِئَ الطَّوَافَ وَلاَ يَبْنِيَ عَلَى طَوَافِهِ، وَقَدْ قِيلَ: يَبْنِي وَيَجْزِيهِ إنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ فَإِذَا تَطَاوَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا الِاسْتِئْنَافُ وَلاَ يَجْزِيهِ أَنْ يَطُوفَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَوْضِعُ الطَّوَافِ وَيَجْزِيهِ أَنْ يَطُوفَ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ حَالَ دُونَ الْكَعْبَةِ شَيْءٌ نِسَاءٌ أَوْ جَمَاعَةُ نَاسٍ أَوْ سِقَايَاتٌ أَوْ أَسَاطِينُ الْمَسْجِدِ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ فَطَافَ لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا طَافَ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَوْ أَجَزْتُ لَهُ أَنْ يَطُوفَ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ أَجَزْتُ لَهُ أَنْ يَطُوفَ مِنْ وَرَاءِ الْجِبَالِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دَخَلَ مِنْ آخَرَ فَإِنْ كَانَ الْبَابُ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ يَأْتِي عَلَى الْبَابِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، اُعْتُدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى عَلَى الطَّوَافِ وَرَجَعَ فِي بَعْضِهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَأْتِي عَلَيْهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَشُكُّ أَصَلَّى ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا؟ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً فَكَانَ فِي ذَلِكَ إلْغَاءُ الشَّكِّ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ فَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الطَّوَافِ صَنَعَ مِثْلَ مَا يَصْنَعُ فِي الصَّلاَةِ فَأَلْغَى الشَّكَّ وَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الطَّوَافِ سُجُودُ سَهْوٍ وَلاَ كَفَّارَةٌ. قال: وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ فِي وُضُوئِهِ فِي الطَّوَافِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ وَشَكَّ مِنْ حَدَثِهِ أَجْزَأَهُ الطَّوَافُ كَمَا تُجْزِئُهُ الصَّلاَةُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حَدَثِهِ وَفِي شَكٍّ مِنْ وُضُوئِهِ لَمْ يَجْزِهِ الطَّوَافُ كَمَا لاَ تَجْزِيهِ الصَّلاَةُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فَإِذَا طَافَ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ عَلَى جَسَدِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ فِي نَعْلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا طَافَ بِتِلْكَ الْحَالِ كَمَا لاَ يُعْتَدُّ فِي الصَّلاَةِ وَكَانَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَطُفْ وَانْصَرَفَ فَأَلْقَى ذَلِكَ الثَّوْبَ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ عَنْ جَسَدِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَاسْتَأْنَفَ لاَ يَجْزِيهِ مِنْ الطَّهَارَةِ فِي نَفْسِهِ وَبَدَنِهِ وَمَا عَلَيْهِ إلَّا مَا يَجْزِيهِ فِي الصَّلاَةِ وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَكَالْمُصَلِّي فِي الطَّهَارَةِ خَاصَّةً، وَإِنْ رَعَفَ أَوْ قَاءَ انْصَرَفَ فَغَسَلَ الدَّمَ عَنْهُ وَالْقَيْءَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى، وَكَذَلِكَ إنْ غَلَبَهُ حَدَثٌ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ وَرَجَعَ فَبَنَى وَأَحَبُّ إلَيَّ فِي هَذَا كُلِّهِ لَوْ اسْتَأْنَفَ. قال: وَلَوْ طَافَ بِبَعْضِ مَا لاَ تَجْزِيهِ بِهِ الصَّلاَةُ ثُمَّ سَعَى أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَعْتَدَّ بِالسَّعْيِ حَتَّى يُكْمِلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَلَوْ انْصَرَفَ إلَى بَلَدِهِ رَجَعَ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى هَذَا الطَّوَافَ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَجِمَاعُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَنْ طَافَ بِغَيْرِ كَمَالِ الطَّهَارَةِ فِي نَفْسِهِ وَلِبَاسِهِ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْتَارَ إنْ قَطَعَ الطَّائِفُ الطَّوَافَ فَتَطَاوَلَ رُجُوعُهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فَإِنَّ ذَلِكَ احْتِيَاطٌ وَقَدْ قِيلَ: لَوْ طَافَ الْيَوْمَ طَوَافًا وَغَدًا آخَرَ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِغَيْرِ وَقْتٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ أَنْ تَكُونَ عَلَى طَوَافِ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الطَّوَافَ بَعْدَ قَضَاءِ التَّفَثِ وَاحْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ عَلَى الطَّوَافِ بَعْدَ مِنًى وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعْدَ حِلاَقِ الشَّعْرِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبِ وَذَلِكَ قَضَاءُ التَّفَثِ وَذَلِكَ أَشْبَهَ مَعْنَيَيْهَا بِهَا؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بَعْدَ مِنًى وَاجِبٌ عَلَى الْحَاجِّ وَالتَّنْزِيلُ كَالدَّلِيلِ عَلَى إيجَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَيْسَ هَكَذَا طَوَافُ الْوَدَاعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي الطَّوَافِ بَعْدَ مِنًى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إبَاحَةِ الطِّيبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ». أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ لِلْمَرْأَةِ الْحَائِضِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَصْدُرَنَّ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَقُولُ وَفِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَائِضَ أَنْ تَنْفِرَ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الْوَدَاعِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ تَرْكَ طَوَافِ الْوَدَاعِ لاَ يُفْسِدُ حَجًّا، وَالْحَجُّ أَعْمَالٌ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْهَا شَيْءٌ إذَا لَمْ يَعْمَلْهُ الْحَاجُّ أَفْسَدَ حَجَّهُ، وَذَلِكَ الْإِحْرَامُ وَأَنْ يَكُونَ عَاقِلاً لِلْإِحْرَامِ وَعَرَفَةَ فَأَيُّ هَذَا تَرَكَ لَمْ يَجْزِهِ عَنْهُ حَجُّهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمِنْهَا مَا إذَا تَرَكَهُ لَمْ يَحِلَّ مِنْ كُلِّ إحْرَامِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي عُمُرِهِ كُلِّهِ، وَذَلِكَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ إلَّا النِّسَاءَ وَأَيَّهُمَا تَرَكَ رَجَعَ مِنْ بَلَدِهِ وَكَانَ مُحْرِمًا مِنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَقْضِيَهُ، وَمِنْهَا مَا يَعْمَلُ فِي وَقْتٍ فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ الْوَقْتُ كُلُّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلاَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَلاَ بَدَّلَهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ مِثْلُ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْبَيْتُوتَةِ بمِنًى وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَمِنْهَا مَا إذَا تَرَكَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ لَزِمَهُ الدَّمُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمِيقَاتِ فِي الْإِحْرَامِ وَمِثْلُهُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- طَوَافُ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا عَمَلاَنِ أُمِرَ بِهِمَا مَعًا فَتَرَكَهُمَا فَلاَ يَتَفَرَّقَانِ عِنْدِي فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْفِدْيَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيَاسًا عَلَى مُزْدَلِفَةَ، وَالْجِمَارُ وَالْبَيْتُوتَةُ لَيَالِي مِنًى؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ قَدْ تَرَكَهُ وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: طَوَافُ الْوَدَاعِ طَوَافٌ مَأْمُورٌ بِهِ، وَطَوَافُ الْإِحْلاَلِ مِنْ الْإِحْرَامِ طَوَافٌ مَأْمُورٌ بِهِ وَعَمَلاَنِ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَتَى جَاءَ بِهِمَا الْعَامِلُ أَجْزَأَ عَنْهُ فَلِمَ لَمْ تَقِسْ الطَّوَافَ بِالطَّوَافِ؟ قِيلَ لَهُ بِالدَّلاَلَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالدَّلاَلَةِ بِمَا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَأَيْنَ الدَّلاَلَةُ؟ قِيلَ لَهُ لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَأَرْخَصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ بِلاَ وَدَاعٍ فَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لِلْوَدَاعِ لَوْ كَانَ كَالطَّوَافِ لِلْإِحْلاَلِ مِنْ الْإِحْرَامِ لَمْ يُرَخِّصْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَائِضِ فِي تَرْكِهِ أَلاَ تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ عَنْ صَفِيَّةَ: أَطَافَتْ بَعْدَ النَّحْرِ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: «فَلْتَنْفِرْ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا إلْزَامُهَا الْمَقَامَ لِلطَّوَافِ بَعْدَ النَّحْرِ وَتَخْفِيفُ طَوَافِ الْوَدَاعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُخَفَّفُ مَا لاَ يَحِلُّ الْمُحْرِمُ إلَّا بِهِ أَوَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ طَافَ بَعْدَ الْجَمْرَةِ وَالنَّحْرِ وَالْحِلاَقِ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ وَهُوَ إذَا حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ خَارِجٌ مَنْ أَحْرَمَ الْحَجَّ بِكَمَالِ الْخُرُوجِ وَمَنْ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ لَمْ يُفْسِدْهُ عَلَيْهِ مَا تَرَكَهُ بَعْدَهُ وَكَيْفَ يُفْسِدُ مَا خَرَجَ مِنْهُ؟ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ تَرْكَ الْمِيقَاتِ لاَ يُفْسِدُ حَجًّا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا وَإِنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَأَنَّ مَنْ دُونَ الْمِيقَاتِ يُهِلُّ فَيَجْزِي عَنْهُ، وَالشَّيْءُ الْمُفْسِدُ لِلْحَجِّ إذَا تَرَكَ مَا لاَ يَجْزِي أَحَدًا غَيْرُ فِعْلِهِ وَقَدْ يَجْزِي عَالِمًا أَنْ يُهِلُّوا دُونَ الْمِيقَاتِ إذَا كَانَ أَهْلُوهُمْ دُونَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْبَيْتُوتَةِ لَيَالِي مِنًى وَتَرْكَ رَمْيِ الْجِمَارِ لاَ يُفْسِدُ الْحَجَّ.
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ فَذَكَرْت حَيْضَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ قَالَ: «فَلاَ إذًا». أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ حَاضَتْ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» فَقُلْت: إنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: «فَلاَ إذًا». أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ حَيْضَتَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» فَقُلْت: إنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: «فَلْتَنْفِرْ إذًا». أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فَقِيلَ إنَّهَا قَدْ حَاضَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّهَا حَابِسَتُنَا». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ: «فَلاَ إذًا». أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْدَمْ النَّاسُ نِسَاءَهُمْ إنْ كَانَ لاَ يَنْفَعُهُمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ لاََصْبَحَ بِمِنًى أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ آلاَفِ امْرَأَةٍ حَائِضٍ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ كُنْت مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ إذْ قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَتُفْتِي أَنْ تَصْدُرَ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَلاَ تُفْتِ بِذَلِكَ قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إمَّا لاَ، فَسَلْ فُلاَنَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ هَلْ أَمَرَهَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ فَرَجَعَ إلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَضْحَكُ وَيَقُولُ مَا أَرَاك إلَّا قَدْ صَدَقْت. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ: اخْتَلَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَنْفِرُ، وَقَالَ زَيْدٌ لاَ تَنْفِرُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ سَلْ، فَسَأَلَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَصَوَاحِبَاتِهَا قَالَ فَذَهَبَ زَيْدٌ فَلَبِثَ عَنْهُ ثُمَّ جَاءَهُ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ الْقَوْلُ مَا قُلْت. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ إذَا حَجَّتْ وَمَعَهَا نِسَاءٌ تَخَافُ أَنْ يَحِضْنَ قَدَّمَتْهُنَّ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَفَضْنَ فَإِنْ حِضْنَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَنْتَظِرْ بِهِنَّ أَنْ يَطْهُرْنَ تَنْفِرُ بِهِنَّ وَهُنَّ حُيَّضٌ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يُعَجِّلْنَ الْإِفَاضَةَ مَخَافَةَ الْحَيْضِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: جَلَسْت إلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَمِعْته يَقُولُ: لاَ يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ. فَقُلْت: مَا لَهُ أَمَا سَمِعَ مَا سَمِعَ أَصْحَابُهُ؟ ثُمَّ جَلَسْت إلَيْهِ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَسَمِعْته يَقُولُ زَعَمُوا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ الْحَائِضِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- سَمِعَ الْأَمْرَ بِالْوَدَاعِ وَلَمْ يَسْمَعْ الرُّخْصَةَ لِلْحَائِضِ فَقَالَ بِهِ عَلَى الْعَامِ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَهُ وَلِمَنْ سَمِعَ عَامًا أَنْ يَقُولَ بِهِ فَلَمَّا بَلَغَهُ الرُّخْصَةُ لِلْحَائِضِ ذَكَرَهَا وَأَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ جَلَتْ عَائِشَةُ لِلنِّسَاءِ عَنْ ثَلاَثٍ، لاَ صَدْرَ لِحَائِضٍ إذَا أَفَاضَتْ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ الصَّدْرِ وَإِذَا طَافَتْ الْمَرْأَةُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ الَّذِي يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا ثُمَّ حَاضَتْ نَفَرَتْ بِغَيْرِ وَدَاعٍ، وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهَا وَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَنْفِرَ فَعَلَيْهَا الْوَدَاعُ كَمَا يَكُونُ عَلَى الَّتِي لَمْ تَحِضْ مِنْ النِّسَاءِ، وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ بُيُوتِ مَكَّةَ كُلِّهَا قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ ثُمَّ طَهُرَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا الْوَدَاعُ، وَإِنْ طَهُرَتْ فِي الْبُيُوتِ كَانَ عَلَيْهَا الْوَدَاعُ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ الطُّهْرَ فَلَمْ تَجِدْ مَاءً كَانَ عَلَيْهَا الْوَدَاعُ كَمَا تَكُونُ عَلَيْهَا الصَّلاَةُ، فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً طَافَتْ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي تُصَلِّي فِيهَا فَإِنْ بَدَأَتْ بِهَا الِاسْتِحَاضَةُ قُلْنَا لَهَا، تَقِفُ حَتَّى تَعْلَمَ قَدْرَ حَيْضَتِهَا وَاسْتِحَاضَتِهَا فَنَفَرَتْ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي نَفَرَتْ فِيهِ يَوْمَ طُهْرٍ كَانَ عَلَيْهَا دَمٌ لِتَرْكِ الْوَدَاعِ، وَإِنْ كَانَ يَوْمُ حَيْضٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا دَمٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْبَحْرُ اسْمٌ جَامِعٌ فَكُلُّ مَا كَثُرَ مَاؤُهُ وَاتَّسَعَ قِيلَ هَذَا بَحْرٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَالْبَحْرُ الْمَعْرُوفُ الْبَحْرُ هُوَ الْمَالِحُ قِيلَ نَعَمْ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَذْبُ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ قِيلَ نَعَمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} فَفِي الآيَةِ دَلاَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْبَحْرَ الْعَذْبُ وَالْمَالِحُ وَأَنَّ صَيْدَهُمَا مَذْكُورٌ ذِكْرًا وَاحِدًا فَكُلُّ مَا صِيدَ فِي مَاءٍ عَذْبٍ أَوْ بَحْرٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ لِلْمُحْرِمِ حَلاَلٌ وَحَلاَلٌ اصْطِيَادُهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ صَيْدِ الْبَحْرِ الْحَلاَلِ لِلْمُحْرِمِ لاَ يَخْتَلِفُ وَمَنْ خُوطِبَ بِإِحْلاَلِ صَيْدِ الْبَحْرِ وَطَعَامِهِ عَقَلَ أَنَّهُ إنَّمَا أُحِلَّ لَهُ مَا يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ أُحِلَّ كُلُّ مَا يَعِيشُ فِي مَائِهِ لِأَنَّهُ صَيْدُهُ وَطَعَامُهُ عِنْدَنَا مَا أُلْقِيَ وَطَفَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ إلَّا هَذَا الْمَعْنَى أَوْ يَكُونُ طَعَامُهُ فِي دَوَابِّ تَعِيشُ فِيهِ فَتُؤْخَذُ بِالْأَيْدِي بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ كَتَكَلُّفِ صَيْدِهِ فَكَانَ هَذَا دَاخِلاً فِي ظَاهِرِ جُمْلَةِ الآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ خَبَرٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا قِيلَ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ صَيْدِ الْأَنْهَارِ وَقِلاَتِ الْمِيَاهِ أَلَيْسَ بِصَيْدِ الْبَحْرِ قَالَ: بَلَى وَتَلاَ {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا}. أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ إنْسَانًا سَأَلَ عَطَاءً عَنْ حِيتَانِ بِرْكَةِ الْقَسْرِيِّ وَهِيَ بِئْرٌ عَظِيمَةٌ فِي الْحَرَمِ أَتُصَادُ قَالَ نَعَمْ وَلَوَدِدْتُ أَنَّ عِنْدَنَا مِنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَيْدَ الْبَحْرِ جُمْلَةً وَمُفَسَّرًا، فَالْمُفَسَّرُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْمُجْمَلِ مِنْهُ بِالدَّلاَلَةِ الْمُفَسِّرَةِ الْمُبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} فَلَمَّا أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إحْلاَلَ صَيْدِ الْبَحْرِ وَحَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ مَا كَانُوا حُرُمًا، دَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا حُرُمًا، مَا كَانَ أَكْلُهُ حَلاَلاً لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- لاَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حُرِّمَ بِالْإِحْرَامِ خَاصَّةً إلَّا مَا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ، فَأَمَّا مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الْحَلاَلِ فَالتَّحْرِيمُ الْأَوَّلُ كَفَّ مِنْهُ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى مَا قُلْت وَإِنْ كَانَ بَيِّنًا فِي الآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجْزِي الصَّيْدُ مَنْ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إيجَابُ الْجَزَاءِ فِي الآيَةِ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ عَمْدًا وَكَيْفَ أَوْجَبْته عَلَى قَاتِلِهِ خَطَأً؟ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ: إنَّ إيجَابَ الْجَزَاءِ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ عَمْدًا لاَ يَحْظُرُ أَنْ يُوجِبَ عَلَى قَاتِلِهِ خَطَأً فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِذَا أَوْجَبْت فِي الْعَمْدِ بِالْكِتَابِ فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبْت الْجَزَاءَ فِي الْخَطَأِ؟ قِيلَ أَوْجَبْته فِي الْخَطَأِ قِيَاسًا عَلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَإِنْ قَالَ فَأَيْنَ الْقِيَاسُ عَلَى الْقُرْآنِ؟ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} وَقَالَ: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} فَلَمَّا كَانَتْ النَّفْسَانِ مَمْنُوعَتَيْنِ بِالْإِسْلاَمِ وَالْعَهْدِ فَأَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمَا بِالْخَطَأِ دِيَتَيْنِ وَرَقَبَتَيْنِ كَانَ الصَّيْدُ فِي الْإِحْرَامِ مَمْنُوعًا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} وَكَانَ لِلَّهِ فِيهِ حُكْمٌ فِيمَا قُتِلَ مِنْهُ عَمْدًا بِجَزَاءٍ مِثْلِهِ وَكَانَ الْمَنْعُ بِالْكِتَابِ مُطْلَقًا عَامًّا عَلَى جَمِيعِ الصَّيْدِ وَكَانَ الْمَالِكُ لِمَا وَجَبَ بِالصَّيْدِ أَهْلَ الْحَرَمِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}. وَلَمْ أَعْلَمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اخْتِلاَفًا أَنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا أَنْ يُتْلَفَ مِنْ نَفْسِ إنْسَانٍ أَوْ طَائِرٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ مِلْكُهُ فَأَصَابَهُ إنْسَانٌ عَمْدًا فَكَانَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ فِيهِ ثَمَنٌ يُؤَدَّى لِصَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ فِيمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ خَطَأً لاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ إلَّا الْمَأْثَمُ فِي الْعَمْدِ فَلَمَّا كَانَ هَذَا كَمَا وَصَفْت مَعَ أَشْبَاهٍ لَهُ كَانَ الصَّيْدُ كُلُّهُ مَمْنُوعًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} فَلَمَّا كَانَ الصَّيْدُ مُحَرَّمًا كُلُّهُ فِي الْإِحْرَامِ وَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِعَدْلٍ بَالِغِ الْكَعْبَةِ كَانَ كَذَلِكَ كُلُّ مَمْنُوعٍ مِنْ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ لاَ يَتَفَرَّقُ كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ الْمُسْلِمُونَ بَيْنَ الْغُرْمِ فِي الْمَمْنُوعِ مِنْ النَّاسِ وَالْأَمْوَالِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَنْ قَالَ هَذَا مَعَك؟ قِيلَ الْحُجَّةُ فِيهِ مَا وَصَفْت وَهِيَ عِنْدَنَا مُكْتَفًى بِهَا وَقَدْ قَالَهُ مِمَّنْ قَبْلَنَا غَيْرُنَا قَالَ فَاذْكُرْهُ قُلْت. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْت لِعَطَاءٍ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} قُلْت لَهُ فَمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَيَغْرَمُ؟ قَالَ: نَعَمْ يُعَظِّمُ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَمَضَتْ بِهِ السُّنَنُ. أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ رَأَيْت النَّاسَ يَغْرَمُونَ فِي الْخَطَإِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ شَيْءٌ أَعْلَى مِنْ هَذَا؟ قِيلَ شَيْءٌ يَحْتَمِلُ هَذَا الْمَعْنَى، وَيَحْتَمِلُ خِلاَفَهُ فَإِنْ قَالَ مَا هُوَ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَرِيبٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا أَوْطَآ الضَّبَّ مُخْطِئَيْنِ بِإِيطَائِهِ وَأَوْطَآهُ عَامِدَيْنِ لَهُ فَقَالَ لِي قَائِلٌ هَلْ ذَهَبَ أَحَدٌ فِي هَذَا خِلاَفَ مَذْهَبِك؟ فَقُلْت: نَعَمْ قَالَ فَاذْكُرْهُ قُلْت: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا غَيْرَ نَاسٍ لِحُرُمِهِ وَلاَ مَرِيدًا غَيْرَهُ فَأَخْطَأَ بِهِ فَقَدْ أُحِلَّ وَلَيْسَتْ لَهُ رُخْصَةٌ وَمَنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا لِحُرُمِهِ أَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ فَأَخْطَأَ بِهِ فَذَلِكَ الْعَمْدُ الْمُكَفَّرُ عَنْهُ مِنْ النَّعَمِ قَالَ فَمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ فَقَدْ أُحِلَّ؟ قُلْت أَحْسَبُهُ يَذْهَبُ إلَى أُحِلَّ عُقُوبَةَ اللَّهِ، قَالَ أَفَتَرَاهُ يُرِيدُ أُحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ؟ قُلْت مَا أَرَاهُ وَلَوْ أَرَادَهُ كَانَ مَذْهَبُ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ خِلاَفَهُ وَلَمْ يَلْزَمْ بِقَوْلِهِ حُجَّةٌ، قَالَ فَمَا جِمَاعُ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الصَّيْدِ؟ قُلْت إنَّهُ لاَ يُكَفَّرُ الْعَمْدُ الَّذِي لاَ يَخْلِطُهُ خَطَأٌ، وَيُكَفَّرُ الْعَمْدُ الَّذِي يَخْلِطُهُ الْخَطَأُ. قال: فَنَصُّهُ، قُلْت يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ إنْ عَمَدَ قَتْلَهُ وَنَسِيَ إحْرَامَهُ فَفِي هَذَا خَطَأٌ مِنْ جِهَةِ نِسْيَانِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ عَمَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ فَفِي هَذَا خَطَأٌ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ الَّذِي كَانَ بِهِ الْقَتْلُ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} لِقَتْلِهِ نَاسِيًا لِحُرُمِهِ فَذَلِكَ الَّذِي يُحْكَمُ عَلَيْهِ وَمَنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ ذَاكِرًا لِحُرُمِهِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ، قَالَ عَطَاءٌ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ عَطَاءٌ نَأْخُذُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ يُخَالِفُ هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ أَحَدٌ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: يُحْكَمُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَلاَ يُحْكَمُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ خَطَأً بِحَالٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا فَحُكِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ عَادَ لِآخَرَ قَالَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ كُلَّمَا عَادَ أَبَدًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَمِنْ أَيْنَ قُلْته؟ قُلْت إذَا لَزِمَهُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِإِتْلاَفِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِإِتْلاَفِ الثَّانِي وَكُلِّ مَا بَعْدَهُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ لَوْ قَتَلَ نَفْسًا دِيَتُهُ وَأَنْفُسًا بَعْدَهُ دِيَةٌ دِيَةٌ، فِي كُلِّ نَفْسٍ وَكَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ لَوْ أَفْسَدَ مَتَاعًا لِأَحَدٍ ثُمَّ أَفْسَدَ مَتَاعًا لِآخَرَ ثُمَّ أَفْسَدَ مَتَاعًا كَثِيرًا بَعْدَهُ قِيمَةُ مَا أَفْسَدَ فِي كُلِّ حَالٍ فَإِنْ قَالَ: فَمَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} فَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا يَبْلُغُ عِلْمِي أَنَّ فِيهِ دَلاَلَةً عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا مَعْنَاهُ؟ قِيلَ اللَّهُ أَعْلَمُ مَا مَعْنَاهُ أَمَّا الَّذِي يُشْبِهُ مَعْنَاهُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- فَأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِالْعَوْدِ النِّقْمَةُ وَقَدْ تَكُونُ النِّقْمَةُ بِوُجُوهٍ، فِي الدُّنْيَا الْمَالُ وَفِي الْآخِرَةِ النَّارُ. فَإِنْ قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت فِي غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ أَوْ عَلَى مَا يُشْبِهُهُ؟ قِيلَ: نَعَمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} وَجَعَلَ اللَّهُ الْقَتْلَ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْقَتْلَ عَلَى الْقَاتِلِ عَمْدًا وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَفْوَ عَنْ الْقَاتِلِ بِالدِّيَةِ إنْ شَاءَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ وَجَعَلَ الْحَدَّ عَلَى الزَّانِي فَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النِّقْمَةَ بِمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ إلَّا أَنْ يَتُوبُوا وَجَعَلَ الْحَدَّ عَلَى الزَّانِي فَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ النِّقْمَةَ فِي الْآخِرَةِ لاَ تُسْقِطُ حُكْمَ غَيْرِهَا فِي الدُّنْيَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فَلَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي أَنَّهُمَا كُلَّمَا زَنَيَا بَعْدَ الْحَدِّ جُلِدَا فَكَانَ الْحَقُّ عَلَيْهِمْ فِي الزِّنَا الْآخَرِ مِثْلُهُ فِي الزِّنَا الْأَوَّلِ وَلَوْ انْبَغَى أَنْ يُفَرِّقَا كَانَ فِي الزِّنَا الْآخَرِ وَالْقَتْلِ الْآخَرِ أَوْلَى وَلَمْ يُطْرَحْ، فَإِنْ قَالَ أَفَرَأَيْت مَنْ طَرَحَهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ عَمْدُ مَأْثَمٍ فَأَوَّلُ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ عَمْدًا يَأْثَمُ بِهِ فَكَيْفَ حُكِمَ عَلَيْهِ؟ فَقُلْت حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ كَانَ أَوْلَى أَنْ لاَ يُعْرَضَ لَهُ فِي عَمْدِ الْمَأْثَمِ فَإِذَا كَانَ الِابْتِدَاءُ عَلَى أَنَّهُ عَمْدُ مَأْثَمٍ فَالثَّانِي مِثْلُهُ فَإِنْ قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا مَعَك أَحَدٌ غَيْرُك؟ قِيلَ: نَعَمْ. فَإِنْ قَالَ فَاذْكُرْهُ قُلْت: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ عَمْدًا: يُحْكَمُ عَلَيْهِ كُلَّمَا قَتَلَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} قِيلَ- اللَّهُ أَعْلَمُ- بِمَعْنَى مَا أَرَادَ فَأَمَّا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فَيَذْهَبُ إلَى {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلاَمِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ لِقَتْلِ صَيْدٍ مَرَّةً فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ. أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} قَالَ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قُلْت: وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} قَالَ: وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلاَمِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ زِيَادَةً قَالَ وَإِنْ عَمَدَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؟ قُلْت لَهُ: هَلْ فِي الْعَوْدِ مِنْ حَدٍّ يُعْلَمُ؟ قَالَ لاَ. قُلْت: أَفَتَرَى حَقًّا عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَاقِبَهُ فِيهِ: قَالَ: لاَ، ذَنْبٌ أَذْنَبَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَفْتَدِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُعَاقِبُهُ الْإِمَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا ذَنْبٌ جُعِلَتْ عُقُوبَتُهُ فَدِيَتَهُ إلَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّهُ يَأْتِي ذَلِكَ عَامِدًا مُسْتَخِفًّا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا كَانَ كُلُّ مَا أُرِيدَ بِهِ هَدْيٌ مِنْ مِلْكِ ابْنِ آدَمَ هَدْيًا كَانَتْ الْأَنْعَامُ كُلُّهَا وَكُلُّ مَا أَهْدَى فَهُوَ بِمَكَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ خَفِيَ عَنْ أَحَدٍ أَنَّ هَذَا هَكَذَا مَا انْبَغَى- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ الصَّيْدُ إذَا جَزَى بِشَيْءٍ مِنْ النَّعَمِ لاَ يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُجْزِئَ بِمَكَّةَ فَعُلِمَ أَنَّ مَكَّةَ أَعْظَمُ أَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى حُرْمَةً وَأَوْلاَهُ أَنْ تُنَزَّهَ عَنْ الدِّمَاءِ لَوْلاَ مَا عَقَلْنَا مِنْ حُكْمِ اللَّهِ فِي أَنَّهُ لِلْمَسَاكِينِ الْحَاضِرِينَ بِمَكَّةَ، فَإِذَا عَقَلْنَا هَذَا عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ جَزَاءُ الصَّيْدِ بِطَعَامٍ لَمْ يَجُزْ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- إلَّا بِمَكَّةَ وَكَمَا عَقَلْنَا عَنْ اللَّهِ ذِكْرَ الشَّهَادَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ بِالْعَدْلِ وَفِي مَوَاضِعَ فَلَمْ يَذْكُرْ الْعَدْلَ وَكَانَتْ الشَّهَادَاتُ وَإِنْ افْتَرَقَتْ تَجْتَمِعُ فِي أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِهَا اكْتَفَيْنَا أَنَّهَا كُلَّهَا بِالْعَدْلِ، وَلَمْ نَزْعُمْ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الْعَدْلَ مَعْفُوٌّ عَنْ الْعَدْلِ فِيهِ، فَلَوْ أَطْعَمَ فِي كَفَّارَةِ صَيْدٍ بِغَيْرِ مَكَّةَ لَمْ يُجْزِ عَنْهُ وَأَعَادَ الْإِطْعَامَ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى فَهُوَ مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ لِحَاضِرِ الْحَرَمِ وَمِثْلُ هَذَا كُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى مُحْرِمٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ فِدْيَةِ أَذًى أَوْ طِيبٍ أَوْ لُبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ لاَ يُخَالِفُهُ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّهُ مِنْ جِهَةِ النُّسُكِ وَالنُّسُكُ إلَى الْحَرَمِ، وَمَنَافِعُهُ لِلْمَسَاكِينِ الْحَاضِرِينَ الْحَرَمَ. قال: وَمَنْ حَضَرَ الْكَعْبَةَ حِينَ يَبْلُغُهَا الْهَدْيُ مِنْ النَّعَمِ أَوْ الطَّعَامِ مِنْ مِسْكِينٍ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِهَا أَوْ غَرِيبٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَعْطَوْا بِحَضْرَتِهَا، وَإِنْ قَلَّ فَكَانَ يُعْطِي بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ أَجْزَأَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَسَاكِينَ الْغُرَبَاءِ دُونَ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَسَاكِينَ أَهْلَ مَكَّةَ دُونَ مَسَاكِينَ الْغُرَبَاءِ وَأَنْ يَخْلِطَ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ آثَرَ بِهِ أَهْلَ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ الْحُضُورَ وَالْمَقَامَ لَكَانَ كَأَنَّهُ أَسْرَى إلَى الْقَلْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ قَالَ هَذَا أَحَدٌ يُذْكَرُ قَوْلُهُ؟ قِيلَ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} قَالَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي حَرَمٍ يُرِيدُ الْبَيْتَ كَفَّارَةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَيْتِ. أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً قَالَ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى يَتَصَدَّقُ الَّذِي يُصِيبُ الصَّيْدَ بِمَكَّةَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} قَالَ: فَيَتَصَدَّقُ بِمَكَّةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُرِيدُ عَطَاءً: مَا وَصَفْت مِنْ الطَّعَامِ، وَالنَّعَمُ كُلُّهُ هَدْيٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} الآيَةَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ: مَا قَوْلُهُ: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}؟ قَالَ: إنْ أَصَابَ مَا عَدْلُهُ شَاةٌ فَصَاعِدًا أُقِيمَتْ الشَّاةُ طَعَامًا ثُمَّ جَعَلَ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا يَصُومُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا قَالَ عَطَاءٌ وَبِهِ أَقُولُ وَهَكَذَا بَدَنَةٌ إنْ وَجَبَتْ وَهَكَذَا مُدٌّ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي قِيمَةِ شَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ صَامَ مَكَانَهُ يَوْمًا وَإِنْ أَصَابَ مِنْ الصَّيْدِ مَا قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ مُدٍّ وَأَقَلُّ مِنْ مُدَّيْنِ صَامَ يَوْمَيْنِ وَهَكَذَا كُلُّ مَا لَمْ يَبْلُغْ مُدًّا صَامَ مَكَانَهُ يَوْمًا أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ هَذَا الْمَعْنَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ قُلْت مَكَانَ الْمُدِّ صِيَامُ يَوْمٍ وَمَا زَادَ عَلَى مُدٍّ مِمَّا لاَ يَبْلُغُ مُدًّا آخَرَ صَوْمُ يَوْمٍ؟ قُلْت قُلْته مَعْقُولاً وَقِيَاسًا، فَإِنْ قَالَ: فَأَيْنَ الْقِيَاسُ بِهِ وَالْمَعْقُولُ فِيهِ؟ قُلْت أَرَأَيْت إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَتَلَ جَرَادَةً أَنْ يَدَعَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا ثَمَرَةً أَوْ لُقْمَةً؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ مُجْزِيَةٌ لاَ تُعَطَّلُ بِقِلَّةِ قِيمَتِهَا ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا قِيمَتَهَا فَإِذَا بَدَا لَهُ أَنْ يَصُومَ هَلْ يَجِدُ مِنْ الصَّوْمِ شَيْئًا يَجْزِيهِ أَبَدًا أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ؟ فَإِنْ قَالَ: لاَ، قُلْت فَبِذَلِكَ عَقَلْنَا أَنَّ أَقَلَّ مَا يَجِبُ مِنْ الصَّوْمِ يَوْمٌ وَعَقَلْنَا وَقِسْنَا أَنَّ الطَّلاَقَ إذَا كَانَ لاَ يَتَبَعَّضُ فَأَوْقَعَ إنْسَانٌ بَعْضَ تَطْلِيقَةٍ لَزِمَتْهُ تَطْلِيقَةٌ، وَعَقَلْنَا أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ إذَا كَانَتْ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فَلَمْ تَتَبَعَّضْ الْحَيْضَةُ نِصْفَيْنِ فَجَعَلْنَا عِدَّتَهَا حَيْضَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ: إذَا صَامَ عَنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَإِذَا أَطْعَمَ مِنْهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ وَقَالَ هَلْ رَوَيْت فِي هَذَا عَنْ أَصْحَابِك شَيْئًا يُوَافِقُ قَوْلَنَا وَيُخَالِفُ قَوْلَك؟ قُلْت نَعَمْ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَقُولُ مَكَانَ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا فَقَالَ: وَكَيْفَ لَمْ تَأْخُذْ بِقَوْلِ مُجَاهِدٍ وَأَخَذْتَ بِقَوْلِ عَطَاءٍ يُطْعِمُ الْمِسْكِينَ حَيْثُ وَجَبَ إطْعَامُهُ مُدًّا إلَّا فِي فِدْيَةِ الْأَذَى فَإِنَّك قُلْت يُطْعِمُهُ مُدَّيْنِ وَلِمَ لَمْ تَقُلْ إذْ قُلْت فِي فِدْيَةِ الْأَذَى يُطْعِمُهُ مُدَّيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ يَجْمَعُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْك جَوَابٌ وَاحِدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ فَاذْكُرْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَصْلُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ نَحْنُ وَأَنْتَ وَمَنْ نَسَبْنَاهُ مَعَنَا إلَى الْفِقْهِ فَالْفَرْضُ عَلَيْهِ فِي تَأْدِيَةِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ لاَ يَقُولَ إلَّا مِنْ حَيْثُ يَعْلَمُ وَيُعْلَمُ أَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ أَحْكَامَ رَسُولِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ يَجْمَعُهُمَا مَعًا أَنَّهُمَا تَعَبُّدٌ ثُمَّ فِي التَّعَبُّدِ وَجْهَانِ فَمِنْهُ تَعَبُّدٌ لِأَمْرٍ أَبَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ رَسُولُهُ سَبَبَهُ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ فَذَلِكَ الَّذِي قُلْنَا بِهِ وَبِالْقِيَاسِ فِيمَا هُوَ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ وَمِنْهُ مَا هُوَ تَعَبُّدٌ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ شَأْنُهُ مِمَّا عَلَّمَهُ وَعَلَّمْنَا حُكْمَهُ وَلَمْ نَعْرِفْ فِيهِ مَا عَرَفْنَا مِمَّا أَبَانَ لَنَا فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدَّيْنَا الْفَرْضَ فِي الْقَوْلِ بِهِ وَالِانْتِهَاءِ إلَيْهِ، وَلَمْ نَعْرِفْ فِي شَيْءٍ لَهُ مَعْنًى فَنَقِيسُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قِسْنَا عَلَى مَا عَرَفْنَا وَلَمْ يَكُنْ لَنَا عِلْمٌ إلَّا مَا عَلَّمَنَا اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَالَ: هَذَا كُلُّهُ كَمَا وَصَفْت لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ التَّكْشِيفِ قَالَ بِغَيْرِهِ فَقِفْنِي مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ أَعْرِفُهُ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا يُعْطُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَمَا وَصَفْت لاَ يُغَادِرُونَ مِنْهَا حَرْفًا وَتَخْتَلِفُ أَقَاوِيلُهُمْ إذَا فَرَّعُوا عَلَيْهَا فَقُلْت فَأَقْبَلُ مِنْهُمْ الصَّوَابَ وَأَرُدُّ عَلَيْهِمْ الْغَفْلَةَ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَلاَزِمٌ لِي وَمَا يَبْرَأُ آدَمِيٌّ رَأَيْته مِنْ غَفْلَةٍ طَوِيلَةٍ وَلَكِنْ أَنْصِبُ لِمَا قُلْت مِثَالاً فَقُلْت: أَرَأَيْت إذْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ قُلْنَا وَقُلْت قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا وَهُوَ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَتْ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ مَيِّتًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ لاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا فَكَانَ مُغَيَّبَ الْمَعْنَى يَحْتَمِلُ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ إذَا جَنَى عَلَيْهِ فَهَلْ قِسْنَا عَلَيْهِ مُلَفَّفًا أَوْ رَجُلاً فِي بَيْتٍ يُمْكِنُ فِيهِمَا الْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ وَهُمَا مُغَيَّبَا الْمَعْنَى؟ قَالَ: لاَ، قُلْت وَلاَ قِسْنَا عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الدِّمَاءِ؟ قَالَ: لاَ قُلْت وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّا تَعَبَّدْنَا بِطَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَلَمْ نَعْرِفْ سَبَبَ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ قُلْت فَهَكَذَا قُلْنَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لاَ يُقَاسُ عَلَيْهِمَا عِمَامَةٌ وَلاَ بُرْقُعٌ وَلاَ قُفَّازَانِ قَالَ وَهَكَذَا قُلْنَا فِيهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَرْضَ وُضُوءٍ وَخُصَّ مِنْهُ الْخُفَّانِ خَاصَّةً فَهُوَ تَعَبُّدٌ لاَ قِيَاسَ عَلَيْهِ قُلْت وَقِسْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ إذْ قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ أَنَّ الْخِدْمَةَ كَالْخَرَاجِ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: لِأَنَّا عَرَفْنَا أَنَّ الْخَرَاجَ حَادِثٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَضَمِنَهُ مِنْهُ وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ قَالَ: نَعَمْ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَرَدْت وَدَلاَلَةٌ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ سُنَّةً مَقِيسٌ عَلَيْهَا وَأُخْرَى غَيْرُ مَقِيسٍ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْقَسَامَةُ لاَ يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي بِالْأَمْرِ الَّذِي لَهُ اخْتَرْت أَنَّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدًّا إلَّا فِي فِدْيَةِ الْأَذَى إذَا تَرَكَ الصَّوْمَ فَإِمَّا أَنْ يَصُومَ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا فَيَكُونُ صَوْمُ يَوْمٍ مَكَانَ مُدٍّ فَإِنْ ثَبَتَ لَك الْمُدُّ صَحِيحٌ لاَ أَسْأَلُك عَنْهُ إلَّا فِيمَا قُلْت إنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ يَقُومُ مَقَامَ إطْعَامِ مِسْكِينٍ فَقُلْت لَهُ حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُظَاهِرِ إذَا عَادَ لِمَا قَالَ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} فَكَانَ مَعْقُولاً أَنَّ إمْسَاكَ الْمُظَاهِرِ عَنْ أَنْ يَأْكُلَ سِتِّينَ يَوْمًا كَإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَبِهَذَا الْمَعْنَى صِرْت إلَى أَنَّ إطْعَامَ مِسْكِينٍ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ قَالَ فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ مَعَ هَذَا؟ قُلْت: نَعَمْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُصِيبَ لِأَهْلِهِ نَهَارًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ؟ قَالَ: لاَ، فَسَأَلَهُ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ فَقَالَ: لاَ. فَسَأَلَهُ هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ فَقَالَ: لاَ، فَأَعْطَاهُ عَرَقَ تَمْرٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا فَأَدَّى الْمُؤَدِّي. لِلْحَدِيثِ أَنَّ فِي الْعَرَقِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا قَالَ أَوْ عِشْرِينَ، وَمَعْرُوفٌ أَنَّ الْعَرَقَ يُعْمَلُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا لِيَكُونَ الْوَسْقُ بِهِ أَرْبَعَةً فَذَهَبْنَا إلَى أَنَّ إطْعَامَ الْمِسْكِينِ مُدُّ طَعَامٍ وَمَكَانَ إطْعَامِ الْمِسْكِينِ صَوْمُ يَوْمٍ، قَالَ: أَمَّا صَوْمُ يَوْمٍ مَكَانَ كُلِّ مِسْكِينٍ فَكَمَا قُلْت، وَأَمَّا إطْعَامُ الْمِسْكِينِ مُدًّا فَإِذَا قَالَ أَوْ عِشْرِينَ صَاعًا قُلْت فَهَذَا مُدٌّ وَثُلُثٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قَالَ: فَلِمَ لاَ تَقُولُ بِهِ؟ قُلْت فَهَلْ عَلِمْت أَحَدًا قَطُّ قَالَ إلَّا مُدًّا أَوْ مُدَّيْنِ؟ قَالَ: لاَ قُلْت فَلَوْ كَانَ كَمَا قُلْت أَنْتَ كُنْت أَنْتَ قَدْ خَالَفْته وَلَكِنَّهُ احْتِيَاطٌ مِنْ الْمُحْدَثِ، وَهَذَا كَمَا قُلْت فِي الْعَرَقِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَعَلَى ذَلِكَ كَانَتْ تُعْمَلُ فِيمَا أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْيَمَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَهَا مَعَايِيرَ كَالْمَكَايِيلِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا بِالتَّمْرِ، قَالَ: فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الطَّعَامِ وَإِصَابَةِ الْمَرْأَةِ تَعَبُّدٌ لِأَمْرٍ قَدْ عَرَفْته وَعَرَفْنَاهُ مَعَك فَأَبِنْ أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَغَيْرِهَا تَعَبُّدٌ لاَ يُقَاسُ عَلَيْهِ قُلْت: أَلَيْسَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي الطَّعَامِ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت وَأَمَرَهُ فَقَالَ: أَوْ صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت: وَقَالَ: أَوْ اُنْسُكْ شَاةً. قَالَ: بَلَى قُلْت: فَلَوْ قِسْنَا الطَّعَامَ عَلَى الصَّوْمِ أَمَا نَقُولُ صَوْمُ يَوْمٍ مَكَانَ إطْعَامِ مِسْكِينَيْنِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْت: وَلَوْ قِسْنَا الشَّاةَ بِالصَّوْمِ كَانَتْ شَاةٌ عَدْلَ صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُتَمَتِّعِ: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ} فَجَعَلَ الْبَدَلَ مِنْ شَاةٍ صَوْمَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَ: نَعَمْ وَقُلْت: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآيَةَ. فَجَعَلَ الرَّقَبَةَ مَكَانَ إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: وَالرَّقَبَةُ فِي الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ مَكَانَ سِتِّينَ يَوْمًا، قَالَ: نَعَمْ وَقَدْ بَانَ أَنَّ صَوْمَ سِتِّينَ يَوْمًا أَوْلَى بِالْقُرْبِ مِنْ الرَّقَبَةِ مِنْ صَوْمِ عَشَرَةٍ وَبَانَ لِي أَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ أَوْلَى بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ مِنْهُ بِإِطْعَامِ مِسْكِينَيْنِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ جُوعُ يَوْمٍ، وَإِطْعَامَ مِسْكِينٍ إطْعَامُ يَوْمٍ، فَيَوْمٌ بِيَوْمٍ أَوْلَى أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمَيْنِ بِيَوْمٍ وَأَوْضَحُ مِنْ أَنَّهَا أَوْلَى الْأُمُورِ بِالْقِيَاسِ قَالَ: فَهَلْ فِيهِ مِنْ أَثَرٍ أَعْلَى مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ؟ قُلْت: نَعَمْ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ فَهَلْ خَالَفَك فِي هَذَا غَيْرُك مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِك؟ فَقُلْت: نَعَمْ زَعَمَ مِنْهُمْ زَاعِمٌ مَا قُلْت: مِنْ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ فَإِنَّهَا بِمُدِّ هِشَامٍ قَالَ فَلَعَلَّ مُدَّ هِشَامٍ مُدَّانِ فَيَكُونُ أَرَادَ قَوْلَنَا مُدَّيْنِ وَإِنَّمَا جَعَلَ مُدَّ هِشَامٍ عَلَمًا قُلْت: لاَ، مُدُّ هِشَامٍ، مُدٌّ وَثُلُثٌ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مُدٌّ وَنِصْفٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ فَالْغَنِيُّ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْ هَذَا الْقَوْلُ- إذَا كَانَ كَمَا وَصَفْت- غَنِيٌّ بِمَا لاَ يُعِيدُ وَلاَ يُبْدِي كَيْف جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ بِمُدٍّ مُخْتَلِف؟ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ هِيَ بِمُدٍّ أَكْبَرَ مِنْ مُدِّ هِشَامٍ أَضْعَافًا، وَالطَّعَامُ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا سِوَاهُ بِمُدٍّ مُحْدَثٍ الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ مِنْ مُدِّ هِشَامٍ، أَوْ رَأَيْت الْكَفَّارَاتِ إذْ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ جَازَ أَنْ تَكُونَ بِمُدِّ رَجُلٍ لَمْ يُخْلَقْ أَبُوهُ وَلَعَلَّ جَدَّهُ لَمْ يُخْلَقْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا قَالَ النَّاسُ هِيَ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا أَدْخَلَ مُدًّا وَكَسْرًا؟ هَذَا خُرُوجٌ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الدُّنْيَا فِي الْكَفَّارَاتِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لَهُ: وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا أَيْضًا أَنَّ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ فِيهِمْ أَوْسَعُ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: فَمَا قُلْت: لِمَنْ قَالَ هَذَا؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ: أَرَأَيْت الَّذِينَ يَقْتَاتُونَ الْفَثَّ وَاَلَّذِينَ يَقْتَاتُونَ اللَّبَنَ وَاَلَّذِينَ يَقْتَاتُونَ الْحَنْظَلَ وَاَلَّذِينَ يَقْتَاتُونَ الْحِيتَانِ لاَ يَقْتَاتُونَ غَيْرَهَا وَاَلَّذِينَ السِّعْرُ عِنْدَهُمْ أَغْلَى مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ بِكَثِيرٍ كَيْفَ يُكَفِّرُونَ يَنْبَغِي فِي قَوْلِهِمْ أَنْ يُكَفِّرُوا أَقَلَّ مِنْ كَفَّارَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيُكَفِّرُونَ مِنْ الدُّخْنِ وَهُوَ نَبَاتٌ يَقْتَاتُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْجَدْبِ؟ وَيَنْبَغِي إذَا كَانَ سِعْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ أَهْلِ بَلَدٍ أَنْ يَكُونَ مَنْ يُكَفِّرُ فِي زَمَانِ غَلاَءِ السِّعْرِ بِبَلَدٍ أَقَلَّ كَفَّارَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إنْ كَانَ إنَّمَا زَعَمَ أَنَّ هَذَا لِغَلاَءِ سِعْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ لَهُ هَلْ رَأَيْت مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْئًا خُفِّفَ عَنْ أَحَدٍ أَوْ اخْتَلَفُوا فِي صَلاَةٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْت: فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَارَضَ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ هَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَزَعَمَ زَاعِمٌ غَيْرُ قَائِلِ هَذَا أَنَّهُ قَالَ: الطَّعَامُ حَيْثُ شَاءَ الْمُكَفِّرُ فِي الْحَجِّ وَالصَّوْمِ كَذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقِيلَ لَهُ: لَئِنْ زَعَمْت أَنَّ الدَّمَ لاَ يَكُونُ إلَّا بِمَكَّةَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ إلَّا بِمَكَّةَ كَمَا قُلْت؛ لِأَنَّهُمَا طَعَامَانِ. قَالَ فَمَا حُجَّتُك فِي الصَّوْمِ؟ قُلْت: أَذِنَ اللَّهُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَوْمِهِ ثَلاَثٌ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّوْمِ مَنْفَعَةٌ لِمَسَاكِينَ الْحَرَمِ وَكَانَ عَلَى بَدَنِ الرَّجُلِ فَكَانَ عَمَلاً بِغَيْرِ وَقْتٍ فَيَعْمَلُهُ حَيْثُ شَاءَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} إلَى قَوْلِهِ: {صِيَامًا} فَكَانَ الْمُصِيبُ مَأْمُورًا بِأَنْ يَفْدِيَهُ وَقِيلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ بِأَنْ يَفْتَدِيَ بِأَيِّ ذَلِكَ شَاءَ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهَا وَكَانَ هَذَا أَظْهَرَ مَعَانِيهِ، وَأَظْهَرُهَا الْأَوْلَى بِالآيَةِ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهَدْيٍ إنْ وَجَدَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَطَعَامٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَصَوْمٌ كَمَا أَمَرَ فِي التَّمَتُّعِ وَكَمَا أَمَرَ فِي الظِّهَارِ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَشْبَهَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ بِأَنْ يُكَفِّرَ بِأَيِّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْمَوْلَى أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَإِنْ احْتَمَلَ الْوَجْهَ الْآخَرَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ قَالَ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ غَيْرُك؟ قِيلَ: نَعَمْ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} قَالَ عَطَاءٌ: فَإِنْ أَصَابَ إنْسَانٌ نَعَامَةً كَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ ذَا يَسَارٍ أَنْ يَهْدِيَ جَزُورًا أَوْ عَدْلَهَا طَعَامًا أَوْ عَدْلَهَا صِيَامًا أَيَّتَهُنَّ شَاءَ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَجَزَاءٌ} كَذَا وَكَذَا وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ أَوْ أَوْ فَلْيَخْتَرْ مِنْهُ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت إنْ قَدَرَ عَلَى الطَّعَامِ أَلاَ يَقْدِرُ عَلَى عَدْلِ الصَّيْدِ الَّذِي أَصَابَ؟ قَالَ تَرْخِيصُ اللَّهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ ثَمَنُ الْجَزُورِ وَهِيَ الرُّخْصَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا جَعَلْنَا إلَيْهِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ أَيَّةَ شَاءَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْيَسِيرِ مَعَهُ وَالِاخْتِيَارُ وَالِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ بِنَعَمٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَطَعَامٌ، وَأَنْ لاَ يَصُومَ إلَّا بَعْدَ الْإِعْوَازِ مِنْهُمَا أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} لَهُ أَيَّتَهُنَّ شَاءَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ أَوْ أَوْ، لَهُ أَيَّةُ شَاءَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إلَّا فِي قَوْلِهِ: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فَلَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَعَمْرٌو فِي الْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقُولُ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ قَالَ أَحَدٌ لَيْسَ هُوَ بِالْخِيَارِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: مَنْ أَصَابَ مِنْ الصَّيْدِ مَا يَبْلُغُ فِيهِ شَاةً فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} وَأَمَّا {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} فَذَلِكَ الَّذِي لاَ يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَدْيُ الْعُصْفُورِ يُقْتَلُ فَلاَ يَكُونُ فِيهِ هَدْيٌ قَالَ: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} عَدْلُ النَّعَامَةِ وَعَدْلُ الْعُصْفُورِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَطَاءٍ، فَقَالَ عَطَاءٌ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ أَوْ أَوْ يَخْتَارُ مِنْهُ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِقَوْلِ عَطَاءٍ فِي هَذَا أَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: «أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْت أَجْزَأَك». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَوَجَدْتُهُمَا مَعًا فِدْيَةً مِنْ شَيْءٍ أُفِيتَ قَدْ مُنِعَ الْمُحْرِمُ مِنْ إفَاتَتِهِ الْأَوَّلُ الصَّيْدُ وَالثَّانِي الشَّعْرُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكُلُّ مَا أَفَاتَهُ الْمُحْرِمُ سِوَاهُمَا كَمَا نَهَى عَنْ إفَاتَتِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ مِنْ النَّعَمِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ الصَّوْمِ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ كَانَ وَاجِدًا وَغَيْرَ وَاجِدٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ لَيْسَ بِإِفَاتَةِ شَيْءٍ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الْهَدْيَ فَمَا فَعَلَ الْمُحْرِمُ مِنْ فِعْلٍ تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْفِدْيَةُ وَكَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَيْسَ بِإِفَاتَةِ شَيْءٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ مِنْ النَّعَمِ إنْ بَلَغَ النَّعَمَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِغَيْرِ النَّعَمِ وَهُوَ يَجِدُ النَّعَمَ وَذَلِكَ مِثْلُ طِيبِ مَا تَطَيَّبَ بِهِ أَوْ لُبْسِ مَا لَيْسَ لَهُ لُبْسُهُ أَوْ جَامَعَ أَوْ نَالَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ تَرَكَ مِنْ نُسُكِهِ أَوْ مَا مَعْنَى هَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ}؟ قُلْت: اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ مَأْذُونٌ بِحِلاَقِ الشَّعْرِ لِلْمَرَضِ وَالْأَذَى فِي الرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ فَإِذَا جَعَلْت عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْفِدْيَةِ النَّعَمَ فَقُلْت لاَ يَجُوزُ إلَّا مِنْ النَّعَمِ مَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فَأَعْوَزَ الْمُفْتَدِي مِنْ النَّعَمِ لِحَاجَةٍ أَوْ انْقِطَاعٍ مِنْ النَّعَمِ فَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى طَعَامٍ قُوِّمَ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمُ طَعَامًا، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِالطَّعَامِ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدٍّ وَإِنْ أَعْوَزَ مِنْ الطَّعَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا قِسْته عَلَى هَذِهِ الْمُتْعَةِ فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ فِيهِ مَا قُلْت: فِي الْمُتَمَتِّعِ؟ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ قِسْته عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ جَامَعَهُ فِي أَنَّهُ فِعْلٌ لاَ إفَاتَةٌ وَفَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ بَدَنَةً عَلَى قَدْرِ عِظَمِ مَا أَصَابَ وَشَاةً دُونَ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ يَنْتَقِلُ فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ بِقَدْرِ عِظَمِ مَا أَصَابَ فَارَقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى هَدْيَ الْمُتْعَةِ الَّذِي لاَ يَكُونُ عَلَى أَحَدٍ إذَا وَجَدَ أَقَلَّ وَلاَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَصِرْنَا بِالطَّعَامِ وَالصَّوْمِ إلَى الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ كَفَّارَةِ الْمُظَاهِرِ وَالْقَتْلِ وَالْمُصِيبِ أَهْلَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَمِنْ هَذَا تَرْكُ الْبَيْتُوتَةِ بِمِنًى وَتَرْكُ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْخُرُوجُ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ عَرَفَةَ وَتَرْكُ الْجِمَارِ وَمَا أَشْبَهَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} إلَى قَوْلِهِ: {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَدَلَّ الْكِتَابُ عَلَى أَنْ يَصُومَ فِي الْحَجِّ وَكَانَ مَعْقُولاً فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ فِي الْحَجِّ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الصَّوْمُ، وَمَعْقُولاً أَنَّهُ لاَ يَكُونُ الصَّوْمُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ لاَ قَبْلَهُ فِي شُهُورِ الْحَجِّ وَلاَ غَيْرِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ} فَإِنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَصُومَ حِينَ يَدْخُلُ فِي الْحَجِّ وَعَلَيْهِ أَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ الْحَجِّ حَتَّى يَصُومَ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَأَنْ يَكُونَ آخِرَ مَا لَهُ مِنْ الْأَيَّامِ فِي آخِرِ صِيَامِهِ الثَّلاَثَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْغَدِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ الْحَجِّ وَيَكُونُ فِي يَوْمٍ لاَ صَوْمَ فِيهِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنهما فِي الْمُتَمَتِّعِ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَلْيَصُمْ أَيَّامَ مِنًى. أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَقُولُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُشْبِهُ الْقُرْآنَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاخْتَلَفَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ فِي وُجُوبِ صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ. أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ حَتَّى يُوَافِيَ عَرَفَةَ مُهِلًّا بِالْحَجِّ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ إذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ نَقُولُ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ الْخَبَرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ بَعْدُ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ دَمَ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ عَنْهُ وَهَذَا قَوْلٌ يُحْتَمَلُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لاَ دَمَ عَلَيْهِ وَلاَ صَوْمَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ الصَّوْمُ وَقْتٌ زَالَ عَنْهُ فَرْضُ الدَّمِ وَغَلَبَ عَلَى الصَّوْمِ فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مُدَّةً يُمْكِنُهُ أَنْ يَصُومَ فِيهَا فَفَرَّطَ تَصَدَّقَ عَنْهُ مَكَانَ الثَّلاَثَةِ الْأَيَّامِ ثَلاَثَةَ أَمْدَادٍ حِنْطَةً؛ لِأَنَّ السَّبْعَةَ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ الثَّلاَثَةَ وَلاَ السَّبْعَ تَصَدَّقَ عَنْهُ فِي الثَّلاَثِ وَمَا أَمْكَنَهُ صَوْمُهُ مِنْ السَّبْعِ فَتَرَكَهُ يَوْمًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ قِيَاسًا وَمَعْقُولاً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ أَيَّامَ مِنًى: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ مِنًى، وَلاَ نَجِدُ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصَّةً إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلاَلَةٌ بِأَنَّ نَهْيَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا لاَ يَلْزَمُ مِنْ الصَّوْمِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَالَ يَصُومُ الْمُتَمَتِّعُ أَيَّامَ مِنًى ذَهَبَ عَلَيْهِ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا فَلاَ أَرَى أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ مِنًى وَقَدْ كُنْت أَرَاهُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَوَجَدْت أَيَّامَ مِنًى خَارِجًا مِنْ الْحَجِّ يَحِلُّ بِهِ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ النِّسَاءُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ أَقُولَ هَذَا فِي الْحَجِّ، وَهُوَ خَارِجٌ مِنْهُ وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ عَمَلِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ يَحْتَمِلُ اللِّسَانُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَجِّ؟ قِيلَ: نَعَمْ يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَجِّ شَيْءٌ احْتِمَالاً مُسْتَكْرَهًا بَاطِنًا لاَ ظَاهِرًا، وَلَوْ جَازَ هَذَا جَازَ إذَا لَمْ يَطُفْ الطَّوَافَ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ مِنْ حَجِّهِ النِّسَاءُ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ يَصُومُهُنَّ عَلَى أَنَّهُ صَامَهُنَّ فِي الْحَجِّ. قال: وَلَوْ جَازَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ مِنًى جَازَ فِيهَا يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ صَوْمِهِ وَصَوْمِهَا وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِهَا مَرَّةً كَنَهْيِهِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ مَرَّةً وَمِرَارًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا حَجَّ الرَّجُلُ وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ لَمْ يُطْعِمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ أَطْعَمَ وَلاَ يَكُونُ الطَّعَامُ وَالْهَدْيُ إلَّا بِمَكَّةَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَامَ حَيْثُ شَاءَ، وَلَوْ صَامَ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ فِي صِيَامِ الْمُفْتَدِي مَا بَلَغَنِي فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، وَإِنِّي لاَُحِبُّ أَنْ يَصْنَعَهُ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فِي حَجِّهِ ذَلِكَ أَوْ عُمْرَتِهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى قَالَ فِي الْمُفْتَدِي بَلَغَنِي أَنَّهُ فِيمَا بَيْنَ أَنْ صَنَعَ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ الْفِدْيَةُ وَبَيْنَ أَنْ يَحِلَّ إنْ كَانَ حَاجًّا أَنْ يَنْحَرَ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا بِأَنْ يَطَّوَّفَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ هَكَذَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ إنْ كَانَتْ الْفِدْيَةُ شَيْئًا وَجَبَتْ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفْتَدِيَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ إصْلاَحَ كُلِّ عَمَلٍ فِيهِ كَمَا يَكُونُ إصْلاَحُ الصَّلاَةِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ هَذَا يُفَارِقُ الصَّلاَةَ بِأَنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ الْحَجِّ، وَإِصْلاَحُ الصَّلاَةِ مِنْ الصَّلاَةِ فَالِاخْتِيَارُ فِيهِ مَا وَصَفْت وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ رَجُلاً يَصُومُ وَلاَ يَفْتَدِي وَقَدَّرَ لَهُ نَفَقَتَهُ فَكَأَنَّهُ لَوْلاَ أَنَّهُ رَأَى الصَّوْمَ يَجْزِيهِ فِي سَفَرِهِ لَسَأَلَهُ عَنْ يُسْرِهِ وَلَقَالَ آخَرُ هَذَا حَتَّى يَصِيرَ إلَى مَالِكٍ إنْ كُنْت مُوسِرًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَنْظُرُ إلَى حَالِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فِي ذَلِكَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلْفِدْيَةِ الَّتِي لاَ يَجْزِيهِ إذَا كَانَ وَاجِدًا غَيْرَهَا جَعَلْتهَا عَلَيْهِ لاَ مَخْرَجَ لَهُ مِنْهَا فَإِذَا جَعَلْتهَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْتَدِ حَتَّى أَعْوَز كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ. وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَصُومَ احْتِيَاطًا لاَ إيجَابًا ثُمَّ إذَا وَجَدَ أَهْدَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ تَصَدَّقَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ صَامَ فَإِنْ صَامَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ أَيْسَرَ فِي سَفَرِهِ أَوْ بَعْدُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ وَإِنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ. قال: وَإِنْ كَانَ مَعُوزًا حِينَ وَجَبَتْ فَلَمْ يَتَصَدَّقْ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَيْسَرَ أَهْدَى وَلاَ بُدَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدِئٌ شَيْئًا فَلاَ يَبْتَدِئُ صَدَقَةً وَلاَ صَوْمًا وَهُوَ يَجِدُ هَدْيًا. قال: وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَهُوَ مَعُوزٌ فِي سَفَرِهِ وَلَمْ يَفْتَدِ حَتَّى أَيْسَرَ ثُمَّ أَعْوَزَ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ لاَ بُدَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْهَدْيِ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى أَيْسَرَ فَلاَ بُدَّ مِنْ هَدْيٍ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَصُومَ احْتِيَاطًا لاَ وَاجِبًا، وَإِذَا جَعَلْت الْهَدْيَ دَيْنًا فَسَوَاءٌ بَعَثَ بِهِ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ اشْتَرَى لَهُ بِمَكَّةَ فَنَحَرَ عَنْهُ لاَ يَجْزِي عَنْهُ حَتَّى يَذْبَحَ بِمَكَّةَ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَيَقْضِيهِ حَيْثُ شَاءَ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ سَفَرِهِ وَهَكَذَا كُلُّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ دَمٍ أَوْ طَعَامٍ لاَ يَجْزِيهِ إلَّا بِمَكَّةَ. فِدْيَةُ النَّعَامِ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رضي الله تعالى عنهم قَالُوا فِي النَّعَامَةِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِيت فَبِقَوْلِهِمْ إنَّ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةً وَبِالْقِيَاسِ قُلْنَا فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ لاَ بِهَذَا فَإِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ نَعَامَةً فَفِيهَا بَدَنَةٌ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ فَكَانَتْ ذَاتَ جَنِينٍ حِينَ سَمَّيْتهَا أَنَّهَا جَزَاءُ النَّعَامَةِ ثُمَّ وَلَدَتْ فَمَاتَ وَلَدُهَا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحَلَّهُ أَغْرَمَهُ؟ قَالَ: لاَ. قُلْت: فَابْتَعْتهَا وَمَعَهَا وَلَدُهَا فَأَهْدَيْتهَا فَمَاتَ وَلَدُهَا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحَلَّهُ أَغْرَمَهُ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَطَاءً يَرَى فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةً وَبِقَوْلِهِ نَقُولُ فِي الْبَدَنَةِ وَالْجَنِينِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ فِيهِ بَدَنَةٌ فَأَوْجَبَتْ جَنِينًا مَعَهَا فَيُنْحَرُ مَعَهَا وَنَقُولُ فِي كُلِّ صَيْدٍ يُصَادُ ذَاتَ جَنِينٍ فَفِيهِ مِثْلُهُ ذَاتُ جَنِينٍ.
أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ أَصَبْت بَيْضَ نَعَامَةٍ وَأَنْتَ لاَ تَدْرِي غَرِمْتهَا تُعَظِّمُ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَقُولُ؛ لِأَنَّ بَيْضَةً مِنْ الصَّيْدِ جُزْءٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ صَيْدًا وَلاَ أَعْلَمُ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِمَّنْ حَفِظْت عَنْهُ مِمَّنْ لَقِيت وَقَوْلُ عَطَاءٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْضَةَ تُغَرِّمُ وَأَنَّ الْجَاهِلَ يَغْرَمُ؛ لِأَنَّ هَذَا إتْلاَفٌ قِيَاسًا عَلَى قَتْلِ الْخَطَإِ وَبِهَذَا نَقُولُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ يُصَابُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ وَدَاخِلٌ فِيمَا لَهُ قِيمَةٌ مِنْ الطَّيْرِ مِثْلُ الْجَرَادَةِ وَغَيْرِهَا قِيَاسًا عَلَى الْجَرَادَةِ فَإِنَّ فِيهَا قِيمَتَهَا فَقُلْت: لِلشَّافِعِيِّ: فَهَلْ تَرْوِي فِيهَا شَيْئًا عَالِيًا؟ قَالَ أَمَّا شَيْءٌ يَثْبُتُ مِثْلُهُ فَلاَ، فَقُلْت: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ: «قِيمَتُهَا». أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ صَوْمُ يَوْمٍ أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ فَرْخٌ؟ فَقَالَ لِي: كُلُّ مَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ مِمَّا لاَ مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ وَلاَ أَثَرَ فِيهِ مِنْ الطَّائِرِ فَعَلَيْهِ فِيهِ قِيمَتُهُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ وَتُقَوِّمُهُ عَلَيْهِ كَمَا تُقَوِّمُهُ لَوْ أَصَابَهُ وَهُوَ لِإِنْسَانٍ فَتُقَوَّمُ الْبَيْضَةُ لاَ فَرْخَ فِيهَا قِيمَةَ بَيْضَةٍ لاَ فَرْخَ فِيهَا، وَالْبَيْضَةُ فِيهَا فَرْخٌ قِيمَةَ بَيْضَةٍ فِيهَا فَرْخٌ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ بَيْضَةٍ لاَ فَرْخَ فِيهَا قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ الْبَيْضَةُ فَاسِدَةً؟ قَالَ: تُقَوِّمُهَا فَاسِدَةً إنْ كَانَتْ لَهَا قِيمَةٌ وَتَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْك فِيهَا؟ قُلْت: لِلشَّافِعِيِّ أَفَيَأْكُلُهَا الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: لاَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الصَّيْدِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْهَا صَيْدٌ قُلْت: لِلشَّافِعِيِّ فَالصَّيْدُ مُمْتَنِعٌ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الصَّيْدِ مَا يَكُونُ مَقْصُوصًا وَصَغِيرًا فَيَكُونُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ وَالْمُحْرِمُ يُجْزِئُهُ إذَا أَصَابَهُ فَقُلْت: إنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ مُمْتَنِعًا أَوْ يُؤَوَّلُ إلَى الِامْتِنَاعِ قَالَ: وَقَدْ تُؤَوَّلُ الْبَيْضَةُ إلَى أَنْ يَكُونَ مِنْهَا فَرْخٌ ثُمَّ يَؤُولُ إلَى أَنْ يَمْتَنِعَ. الْخِلاَفُ فِي بَيْضِ النَّعَامِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَخَالَفَك أَحَدٌ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: قَالَ مَاذَا قَالَ؟ قَالَ قَوْمٌ إذَا كَانَ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى الْبَدَنَةِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنْ وَجْهٍ لاَ يُثْبِتُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِثْلَهُ وَلِذَلِكَ تَرَكْنَاهُ وَبِأَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يُجْزِهِ بِمَغِيبٍ يَكُونُ وَلاَ يَكُونُ، وَإِنَّمَا يَجْزِيهِ بِقَائِمٍ قُلْت: لِلشَّافِعِيِّ: فَهَلْ خَالَفَك غَيْرُهُ؟ قَالَ نَعَمْ رَجُلٌ كَأَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْقَوْلَ فَاحْتَذَى عَلَيْهِ قُلْت: وَمَا قَالَ فِيهِ؟ قَالَ: عَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ كَمَا يَكُونُ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأَمَةِ قُلْت: أَفَرَأَيْت لِهَذَا وَجْهًا؟ قَالَ: لاَ. الْبَيْضَةُ إنْ كَانَتْ جَنِينًا كَانَ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا مُزَايِلَةٌ لِأُمِّهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ نَفْسِهَا، وَالْجَنِينُ لَوْ خَرَجَ مِنْ أُمِّهِ ثُمَّ قَتَلَهُ إنْسَانٌ وَهُوَ حَيٌّ كَانَتْ فِيهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَلَوْ خَرَجَ مَيِّتًا فَقَطَعَهُ إنْسَانٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِنْ شِئْت فَاجْعَلْ الْبَيْضَةَ فِي حَالِ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَمَا لِلْبَيْضَةِ وَالْجَنِينِ؟ إنَّمَا حُكْمُ الْبَيْضَةِ حُكْمُ نَفْسِهَا فَلاَ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ لَيْسَتْ مِنْ النَّعَمِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا بِقِيمَتِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَقَدْ قَالَ لِلْقَائِلِ: مَا فِي هَذِهِ الْبَيْضَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ غَيْرُ حَيَوَانٍ وَلِلْمُحْرِمِ أَكْلُهَا وَلَكِنَّ هَذَا خِلاَفُ مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قُلْت: لِلشَّافِعِيِّ أَرَأَيْت الْمُحْرِمَ يُصِيبُ بَقَرَةَ الْوَحْشِ أَوْ حِمَارَ الْوَحْشِ؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَقَرَةٌ فَقُلْت: لِلشَّافِعِيِّ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذْت هَذَا؟ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِثْلَ عَلَى مُنَاظَرَةِ الْبَدَنِ فَلَمْ يَجْزِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَنْظُرَ إلَى مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنْ دَوَابِّ الصَّيْدِ فَإِذَا جَاوَزَ الشَّاةَ رَفَعَ إلَى الْكَبْشِ فَإِذَا جَاوَزَ الْكَبْشَ رَفَعَ إلَى بَقَرَةٍ فَإِذَا جَاوَزَ الْبَقَرَةَ رَفَعَ إلَى بَدَنَةٍ وَلاَ يُجَاوِزُ شَيْءٌ مِمَّا يُؤَدِّي مِنْ دَوَابِّ الصَّيْدِ بَدَنَةً وَإِذَا كَانَ أَصْغَرَ مِنْ شَاةٍ ثَنِيَّةٍ أَوْ جَذَعَةٍ خَفَضَ إلَى أَصْغَرَ مِنْهَا فَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي دَوَابِّ الصَّيْدِ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي الْأَرْوَى بَقَرَةٌ. أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي الْإِبِلِ بَقَرَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَقُولُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْأَرْوَى دُونَ الْبَقَرَةِ الْمُسِنَّةِ وَفَوْقَ الْكَبْشِ وَفِيهِ عَضْبٌ ذَكَرًا وَأُنْثَى أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَدَاهُ بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ قَتَلَ حِمَارَ وَحْشٍ صَغِيرًا أَوْ ثَيْتَلاً صَغِيرًا فَدَاهُ بِبَقَرَةٍ صَغِيرَةٍ وَيُفْدَى الذَّكَرُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى. قال: وَإِذَا أَصَابَ أَرْوَى صَغِيرَةً خَفَضْنَاهُ إلَى أَصْغَرَ مِنْهُ مِنْ الْبَقَرِ حَتَّى يَجْعَلَ فِيهِ مَا لاَ يَفُوتُهُ وَهَكَذَا مَا فَدَى مِنْ دَوَابِّ الصَّيْدِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ مَا أُصِيبَ مِنْ الصَّيْدِ بَقَرَةً رَقُوبًا فَضَرَبَهَا فَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا حَيًّا فَمَاتَ فَدَاهُمَا بِبَقَرَةٍ وَوَلَدِ بَقَرَةٍ مَوْلُودٍ، وَهَكَذَا هَذَا فِي كُلِّ ذَاتِ حَمْلٍ مِنْ الدَّوَابِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا وَمَاتَتْ أُمُّهُ فَأَرَادَ فِدَاءَهُ طَعَامًا يُقَوَّمُ الْمُصَابُ مِنْهُ مَاخِضًا بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ مَاخِضًا، وَيُقَوَّمُ ثَمَنُ ذَلِكَ الْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ طَعَامًا.
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ مِنْ مُفْتِينَا الْمَكِّيِّينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي صِغَارِ الضَّبُعِ صِغَارُ الضَّأْنِ وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ فِي الضَّبُعِ كَبْشٌ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَنْزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَبُعًا صَيْدًا وَقَضَى فِيهَا كَبْشًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا حَدِيثٌ لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ لَوْ انْفَرَدَ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ: سَأَلْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَتُؤْكَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّهُ إنَّمَا يَفْدِي مَا يُؤْكَلُ مِنْ الصَّيْدِ دُونَ مَا لاَ يُؤْكَلُ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهَا كَبْشٌ إذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَقُولُ وَالْغَزَالُ لاَ يَفُوتُ الْعَنْزَ. أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الظَّبْيِ تَيْسٌ أَعْفَرُ أَوْ شَاةٌ مُسِنَّةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَفْدِي الذُّكْرَانَ بِالذُّكْرَانِ وَالْإِنَاثَ بِالْإِنَاثِ مِمَّا أُصِيبَ وَالْإِنَاثُ فِي هَذَا كُلِّهِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفْدِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَصْغُرُ عَنْ بَدَنِ الْمَقْتُولِ فَيَفْدِي الذَّكَرَ وَيَفْدِي بِاَلَّذِي يَلْحَقُ بِأَبْدَانِهِمَا. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رَجُلاً بِالطَّائِفِ أَصَابَ ظَبْيًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَتَى عَلِيًّا فَقَالَ: اهْدِ كَبْشًا أَوْ قَالَ تَيْسًا مِنْ الْغَنَمِ. قَالَ سَعِيدٌ وَلاَ أَرَاهُ إلَّا قَالَ تَيْسًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ لِمَا وَصَفْت قَبْلَهُ مِمَّا يَثْبُتُ فَأَمَّا هَذَا فَلاَ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْغَزَالِ شَاةٌ.
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَرْنَبِ شَاةٌ. أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: فِي الْأَرْنَبِ شَاةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ مِنْ الْغَنَمِ يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ شَاةٍ فَإِنْ كَانَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ أَرَادَا صَغِيرَةً فَكَذَلِكَ نَقُولُ وَلَوْ كَانَا أَرَادَا مُسِنَّةً خَالَفْنَاهُمَا وَقُلْنَا قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ فِيهَا عَنَاقًا دُونَ الْمُسِنَّةِ وَكَانَ أَشْبَهَ بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ مَا يُشْبِهُ قَوْلَهُمَا أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ أَوْ حَمَلٌ.
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَضَى فِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ.
أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ. أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: خَرَجْنَا حُجَّاجًا فَأَوْطَأَ رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ أَرْبَدُ ضَبًّا فَفَقَرَ ظَهْرَهُ فَقَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ أَرْبَدُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اُحْكُمْ فِيهِ يَا أَرْبَدُ فَقَالَ: أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَمُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إنَّمَا أَمَرْتُك أَنْ تَحْكُمَ فِيهِ وَلَمْ آمُرْك أَنْ تُزَكِّيَنِي فَقَالَ أَرْبَدُ: أَرَى فِيهِ جَدْيًا قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ فَقَالَ عُمَرُ فَذَاكَ فِيهِ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الضَّبِّ شَاةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ عَطَاءٌ أَرَادَ شَاةً صَغِيرَةً فَبِذَلِكَ نَقُولُ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ مُسِنَّةً خَالَفْنَاهُ وَقُلْنَا بِقَوْلِ عُمَرَ فِيهِ وَكَانَ أَشْبَهَ بِالْقُرْآنِ.
أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْوَبَرِ إنْ كَانَ يُؤْكَلُ شَاةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَوْلُ عَطَاءٍ إنْ كَانَ يُؤْكَلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُفْدَى مَا يُؤْكَلُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُ الْوَبَرَ فَفِيهِ جَفْرَةٌ وَلَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ جَفْرَةٍ بُدْنًا. أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: فِي الْوَبَرِ شَاةٌ.
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى فِي أُمِّ حُبَيْنٍ بِحَمَلاَنٍ مِنْ الْغَنَمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي حَمَلاً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهَا فَهِيَ كَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ يُقْضَى فِيهَا بِوَلَدِ شَاةٍ حَمَلٌ أَوْ مِثْلُهُ مِنْ الْمَعْزِ مِمَّا لاَ يَفُوتُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: كُلُّ دَابَّةٍ مِنْ الصَّيْدِ الْمَأْكُولِ سَمَّيْنَاهَا فَفِدَاؤُهَا عَلَى مَا ذُكِرَ وَكُلُّ دَابَّةٍ مِنْ دَوَابِّ الصَّيْدِ الْمَأْكُولِ لَمْ نُسَمِّهَا فَفِدَاؤُهَا قِيَاسًا عَلَى مَا سَمَّيْنَا فِدَاءَهُ مِنْهَا لاَ يُخْتَلَفُ فِيمَا صَغُرَ عَنْ الشَّاةِ مِنْهَا أَوْلاَدُ الْغَنَمِ يُرْفَعُ فِي أَوْلاَدِ الْغَنَمِ بِقَدْرِ ارْتِفَاعِ الصَّيْدِ حَتَّى يَكُونَ الصَّيْدُ مُجْزِيًا بِمِثْلِ بَدَنَةٍ مِنْ أَوْلاَدِ الْغَنَمِ أَوْ أَكْبَرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلاَ يَجْزِي دَابَّةٌ مِنْ الصَّيْدِ إلَّا مِنْ النَّعَمِ وَالنَّعَمُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْإِبِلِ الْأَنْعَامُ وَلِلْبَقَرِ الْبَقَرُ وَلِلْغَنَمِ الْغَنَمُ؟ قِيلَ هَذَا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا وَصَفْت فَإِذَا جَمَعْتهَا قُلْت: نَعَمًا كُلَّهَا وَأَضَفْت الْأَدْنَى مِنْهَا إلَى الْأَعْلَى وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} فَلاَ أَعْلَمُ مُخَالِفًا أَنَّهُ عَنَى الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالضَّأْنَ وَهِيَ الْأَزْوَاجُ الثَّمَانِيَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ} الآيَةَ، وَقَالَ: {وَمِنْ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} فَهِيَ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ وَهِيَ الْأَزْوَاجُ الثَّمَانِيَةُ وَهِيَ الْإِنْسِيَّةُ الَّتِي مِنْهَا الضَّحَايَا وَالْبُدْنُ الَّتِي يَذْبَحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الْوَحْشِ.
|